معهد الآداب العربيّة: الغاية والمفهوم

وُلد المعهد لأنّ مؤسّسيه كانوا يؤمنون بأنّ تونس ستستقلّ ذات يوم، فلا مناص من احترام الثّقافة التّونسيّة في كلّ مظاهرها ولابدّ من التّعريف بها و معاضدة الفاعلين فيها، فكانت بعض المقالات من الأعداد الأولى تُوقّع من قبل تونسيّين و تونسيّات. وفي سنة 1959 ظهر أوّل تمهيد بتوقيع تونسيّ وهو الطّاهر قيقة في عدد خاصّ بتعليم الكهول وبداية من سنة 1977 أصبحت لجنة القراءة للمجلّة متكوّنة في أغلبها من تونسيّين.

عرفت العلاقة بين المعهد والسّلط الفرنسيّة زمن الحماية توتّرات شديدة ففي يوم تدشين نادي الأخوّةأجلس المسؤول الأوّل للمعهد، الأب دمرسمان، ابن الباي إلى يمينه وممثّل المقيم العام إلى يساره فأمر عضو من المراسم أن يفعل العكس فأجابه المسؤول عن المعهد:”أنا في بيتي أفعل ما أريد”. فكادت الرّسائل المتبادلة بين الأب أندريدمرسمان والسّيد لوسيان باي(L. Paye)تتجاوز حدود الّلياقة لما كان من تصعيد في الّلهجة من الطّرفين كلٌّ منهما يدافع عن وجهة نظره. فالأوّل ،واع بالواقع التّونسي، يدافع عن الشّخصيّة المحلّيّة وعن طموحاتها وبالتّالي يدافع عن القوميّة وعن خصوصيّات المناضلين والثّاني هو مجرّد موظّفالاحتلال يعبّر عن ايديولوجيته و خاصّة عمّا يتعلّق ببرامج التّعليم.

بالنّسبة إلى عدد كبير من الملاحظين خارج المؤسّسة يُعتبر المعهد تابعا للسّياسة الخارجيّة الفرنسيّة أو على الأقلّ يسعى لتحقيق التّقارب الفرنسي- التّونسي. فإن كان من الضروري إيجاد سلطة إشراف فنجدها خاصّة في الفاتيكان. ففي جانفي 1938 تقبّل المعهد التشجيع من البابا وفي سنة 1940 اُقتُرح على الآباء البيض بتونس تأسيس معهد مماثل بالمغرب ولكن لم يجد هذا المطلب ردّا ايجابيّا. زارالكردينالجارلييالمعهد في السّابع من آفريل سنة 1948 وعاد إليه الكردينال تسّرون وكان قد زاره سابقا ولكن في هذه المرّة يعود كسكرتير الفاتكان لدى الكنائس المشرقيّة وذلك بتاريخ 16 نوفمبر سنة 1954 و كان السّيدان الصّاد ق المقدّم والهادي نويره حاضريْن في المحاضرة الّتي ألقاها بالمناسبة آنذاك.

و بنهاية الحرب تشتّت الموظّفون كثيرا وانتشروا خاصّة بالجزائرفانقسم نشاط المعهد إلى قسميْن: قسم يتعلّق بمركز البحوث انتقل إلى منّوبة بأحواز تونس سنة 1948 ومنها إلى روما حيث أصبحت تسمّى: le pontificioistituto di studiarabie d’islamisticaوقسم بقي يهتمّ بالمجلّة